الأربعاء 4 كانون الأول 2024 | 10:33 مساءً بتوقيت دمشق
أيوب هياص

خَاطِراتُ سَمنون

خَاطِراتُ سَمنون
هوارد هودجكين (1932-2017) فنان بريطاني
  • الجمعة 5 تموز 2024

(في زمنٍ ما، كانَ ثمةَ أرض وشعبٌ، وحُكمٌ، وبهائمُ، وزرع وصفاءُ. وكان يمشي بينهم عجوزٌ من المَجاديبِ اسمه سَمنون، يُنَزِّهُ حَيَاتَهُ لا أكثر، ويكتبُ لنفسه الخَاطِرات)
*
كابوس: صَفيرُ أفعى فوقَ صَدري، يُشبهُ بدايَةَ سمَرٍ تتآخى فيه الكواكِبُ، يشبهُ سبعةَ كلاب تنهضُ في الليلِ وتُطاردُ يُوسُفَ. ولو نِمتُ سأحلمُ الحُلُم ذاتَهُ، تحتِي ملايينُ الأسلافِ الذينَ لم أستخرجهم، والحياة قربَ بِئرٍ، تقضِمُ قَلباً من ذُبَاب.
*
تفتحّتِ الأجفانُ، وخُبزِي امتلَكَهُ النملُ، كنتُ سأكتبُ أمساً، أن جَرسَ المُصَلّى أكثرُ الرُّهبانِ زُهداً.
*
في الظهيرةِ سَارَعَ الضّباغونَ والنشّالونَ، وبعضُ المُختارينَ لتَسكينِ فلاحٍ تَقِيّ، والذّي في فَجرٍ ما وبعدَ أن أعَدَّ نَفسهُ، فتحَ الإسطبلَ ووَجدَ مِشطاً فاتِناً بينَ شعرِ حِصانِهِ.
*
عَصراً، استقبلتُ مضرورين قرب المعبدِ، غسلت رؤوسهم بالماء السُّخنِ، كانت هناك خِيمٌ قريبة
تعرض جمجمة ناقة وتبيعُ الفاصوليا المطبوخة. بعد ذلك احتجتُ سُوَيعاتٍ من النُّعاس حاشِياً يَدَيّ الميتتين في الأكمام البيضاء.
*
فوراً بعد الصلاةِ
اقتربَ مني أحدُ الفِتيةِ، وأسرَّ بِأَنهُ أعطى لحبيبتهِ باقةَ ورد،
جَمَعها من المقابِر.
*
يا للغروب، ها أنا
مُدَلٍ قدمَيّ الحافيتين،
مُعانِقاً صَندلي،
أسرحُ في الخيالاتِ، وأستهترُ بالموت.
*
اَهٍ، لو أن طائراً يُرافِقُني،
أُخْرِجُ لهُ كلما استرحتُ، حبّة قَمحٍ من فَمِي.
*
قُوتِي الليلة ماءُ النهرِ. وكسرةُ كعكٍ مِن جُود أحدِ الخبازين، للقمرِ حَنانُهُ، وبين أَعوادِ صدرِي سكينةٌ، من أغانٍ قديمةٍ خبيثة؛ إنها الوحدةُ التي تَطيبُ لي كلما حل وقتُ الكَرى، هي الوحدةُ التي تُهديني فَرْوَ الكَونِ..
*
بِتّ أمساً في الغابِ، مَلأ ليلي صَوتُ الوحوشِ، وصوتُ الفرائسِ وهي تُؤكَل، لكن من الأشجارِ ما رفق بي، وسَلّمني في هذا الصباح عُكازاً من أغصانهِ، لِأُتم تِجوالي.
*
ماءُ البئرِ بعيد في الأسفل..
وأنا مُشتاق،
لِرُؤيةِ
وجهي
على الماء.
*
سمعتُ من أحد السُّقاةِ أن فُرساناً نزلوا من القلعةِ هذا الصباح، مُطاردينَ ثائراً صغيراً، مسكوه قربَ بوابةِ المدينة، وحينما صفدوا يديهُ قالَ خائفاً: هل هكذا تُعقدُ الضفائِرُ؟
*
كم تملأ الشمسُ عينَيّ!
لقد شِختُ
وأصابعي المَاهِرةُ ثَقُلَت،
بالكادِ ألمسُ قلبي، دون أن أقدِرَ على فَتحِهِ،
قلبي الذي يُوطِنُ نَملةً صُغرى خائفة، حَان الوقتُ لإخراجها..
*
حُلْوةٌ ومُذهلةٌ أيامي إذاً،
تُشبهُ بجمالها،
ضِحكةَ أُختٍ،
لأُختِها.
*
أتَقَيَّلُ في رَحبَةِ الزرعِ، منتعشاً بجلالِ ظِلالِ هذه الكَرمة، تذكرتُ أني قضيتُ شهوراً بدونَ أن يكونَ في محفظتي فِلس، يا لِلَطَافَةِ سِرّي، وهذا الكَونُ الذي اشتريتُهُ سِنِينَ مضتْ، كيفَ أنهُ لا يُغَرِّبُ مَلِيكَهُ الوحيد، فَحيثُما كنتُ-أكُونُ
ولو رَحلتُ، فأنا لا أرحَلُ..
***
(في عشيّةٍ سَاكِتَةِ، وعلى ضفافِ النهرِ، قعدَ سمنون مغمضَ العيونِ، مُصغياً لجريانَ الماءِ كما لو أنه يُصغي إلى لُغة، وحينَ فاجَأتْهُ رغبةٌ في الاستحمامِ، تخلى عن ثيابه ووضعها بِعنايةٍ قرب حقيبته، ثم بدأ في حفرِ حُفرةً صغيرة، دس فيها خاتمه وسُبحتهُ الخشبية، أهالَ عليهما التراب.. ونَزل سَمنونُ الماءَ، ولم يصعدْ منه أبداً).