الجمعة 26 نيسان 2024 | 7:36 مساءً بتوقيت دمشق
رشا الصالح

شتاء حافل

شتاء حافل
أحمد قليج، فنان سوري
  • الأحد 5 نيسان 2020

1-وخلسة بين جيوب علبة سجائر محكمة الإغلاق وضعوا له عود ثقاب وقالوا له تنفس صحياً وبدفء.
2-العاصفة الهوجاء تتلصص على نواعير تجري بلا مياه، الطاحونة ذاتها أفرغت انتظارها لكل الجهات وتقيأت نهراً يعاني عسر الهضم.
3-قلم فتي أعلنت براءته اليوم من مخالب الدماء، اكتفى أن يشيع رحمة آخر كلمة خطّها بحذر وحنان بينما كان الورق يشمت سراً من إطلاق سراحه.
4-بعد أن ربّى حنجرته على كل أشكال المقامات ،جاءت رصاصة وأطلقت موالاً أشعث، فصوبت طلقة في عنقه وتحول بعدها إلى نهاوند يحمل حقيبة.
5-هي تعمدتْ أن تخفي بين ضلوعها مولود الحب، هي حبلى إذاً، التقرير الطبي أثبت أن الزائدة العاطفية لن تسمح لها إلا أن تنجب أرقاماً، هي تحمل النتيجة بينما المنطق يناديها أجهضي شهوة الكلمات، قد تصابين بدوار اختلاطيّ، تصرّ على المضمون سوءاً صفراً أو صفر.
6-بين خبرين علقا بشريطين في زاوية إحدى البرامج يصرخ ولد جائع أكاد أنفجر تهكماً ضعوني هنا ضحكة لا عبارة لعبوة تمويهية كي لا أصير فتات.
7-كتبتْ في أبراجها اليوم شعبي يعاني سوء طالع، الأفلاك أثبتت أن النفاق أصبح كوكباً آخر يختزل صنعة الضمير الكوني، الفرج يقف مواجهة للكيد، سيعود إن سرتَ بدرب التبانة لا الخيانة، حظاً أوفر إذاً.
8-في نتوء أحد الزوايا تأرجح كتاب بين مشنقة الحبر وغبار التجاهل، لكن ثمّة من يبحث عن حبر ليلقّح به طهر رحمه بجنين الأمل ويخط هناك سنتكاثر ثقافةً ومداداً يوماً ما فلا تحزنوا .
9- رقعة مقسمة المنظر بين بياض الخطوة وبين سواد النتيجة المرتقبة بحركة، لاعب شطرنج لئيم يحرك عناصره عليها خدمةً لكينونة قلاعه ، الخبر يتألق على تلك الساعة في آخر شريط الزمن الذي يعلن موت بقية العساكر وانتصار الرقعة ذاتها لتبقى شبحاً خالياً من الحرب والمحاربين واللاعب في نهاية مطاف الحكاية.
10- عازف يمسك بـ (نوتة) الفقدان كلما عنّ على باله وقع طبول الحرب وكلما التهبت بين أصابعه مفردات زمن غائر بلا علامات موسيقية باستثناء وشم الدم على الأوراق والألحان، يثب من بين أصابعه فجأةً لحناً للخلود ،مرصعاً به وجه أيام البلاد القادمة بنشيد للحب يتلى كل صباح على جثامين الأحياء قبل الشهداء.
11- على وقع اصطكاك أسنان جوع الأمعاء والقلوب ، يجهش الخبز يتيماً أطعموني ولو كسرة واجعلوني قوتاً مجانياً في فم الأطفال والمحتاجين لكي أحيا وتحيون، لا تقامروا بي، كفاكم جوعاً وجنون.
12- على نبراس منبر الحقيقة يقف شاب ليتلو آية الخلاص من طاغوت الظلام ومجازره السوداء، فتهب أمة لدحرجة رأسه منددة حيّ على قتله إنه من الفارين من موجة احتواءنا للنور، نخاف انفلاته فيقتلنا، ونخاف بقاءه فيستنجد الحب به ومع أمثاله ممن هم الفجر ينتظرون.
13- يرتحل مهاجر من أصقاع غربته لجوءاً إلى موطنه ناكراً مستنكر الغربة والطريق ومشقّة شكوته من لوعة الاغتراب، ليصل لبلاد قد أضاعت قلبها وذبحت أفلاذ أكبادها بسكين الاقتتال حول حقائب من عنجهيةٍ جعلت ذاك المهاجر يبيع حذائه كي ينسى كيف يخطو إلى دروب السفر مرة أخرى ليكتسي ثوب الوطن وليرتقه ولو برده، بقاءً لا اغتراب.
14- تتمايل أخاديد قمر دمويّ مداً وجزراً على سطح بلاد ملّت المذابح واشتاقت لُجينه السلام، ومع كل مدٍّ ينبت طيف ملوحاً غفراناً ومع كل جزرٍ يخلق طفلاً مناجياً وجهه أن يعود في مبسمه الجديد بياضاً وأمان.
15- ترقص شمعة على وهج دعاء أمٍّ استفاضت شوقاً وحنان لغيب يأتي لها ببيان يشعشع لها جسد النسيم ويطفئ عواصف النتوء برياح قلبها اليانع عطراً وبخور كي لا تبحث عن عودة جنون ابنها من ساحات سوداء جثماناً بلا اسم أو وشم أو تعويض في لائحة أسماء شهداء الأمومة والبلاد، فتتقد أعواد الكبريت صمتاً في مدافئ ذاك النهار مبشّرةً بشتاءٍ حافل بلمّ شمل الأعضاء.
16- يقف بعينٍ كاشفة راصداً ما حصل، قلبه صار رادار استشعار لموجات الصدق والألم، وعينه صارت كاميرا بعدسة ملوعة المهجة وأهداب مصدومة الرؤية، تفوح المعاني قصيدة بفيلم قد يجسد مستقبل الأولاد، تنوح الذكريات، ويوقّع إمضاءه هذا الحدث أتمنى لو أنّه ما حدث: مخرج يتيم كان يسمى ولد، صار يسمّى بلد.