الثلاثاء 16 نيسان 2024 | 12:35 صباحاً بتوقيت دمشق
أنس مصطفى

الباص رَقَمُ 35

الباص رَقَمُ 35
جورج سافاكيس (1922-2004) - فنان يوناني.
  • السبت 24 آب 2019

إنْتِرِبِد دَرَايِفْ
النَّافِذَةُ التيْ تُطِلُّ على إنْتِرِبِد دَرَايِفْ
تُغْدِقُ لَيْلاً مِنْ الوَحْشَةِ والصّقيعْ..
النَّافِذةُ التي خلَّفتُهَا هُنَاكْ؛
تَحُطُّ عليها طيورُ الجَنَّةْ،
وَتَشْرَبُ الفَجْرِ صَافِيَاً..
النَّافِذةُ التي يلوحُ من خلفها شْجَرُ الحِنَّاءِ
وكرنفالُ الفَنَاجينْ..
النَّافذةُ التي تتسرَّبُ عَبْرَهَا أورَادُ الفَجْرِ،
وَشَجو المَيَازيبْ..
النَّافِذَةُ التي لوَّنتها الأعيَادُ،
وأمْطَارُ أغسطسْ،
النَّافِذَةُ التي تتوسَّدُ صَوتكْ...
النَّافِذَةُ الزّْرقاءُ في العُمرْ،
خلَّفتها هُنَاكْ،
وَحْدَهَا..
أبدلتُهَا بنافِذَةٍ ضَارِيَةْ،
غارقةٍ في الصَّمتِ هُنَا،
في إنْتِربد دَرَايفْ.
***
السَّنةُ التي مَضَتْ
كُلُّ شَيءٍ على حَالِهِ منذ الأمسْ،
منذ السَّنَةِ التي مضتْ..
أنزلُ من البَاصِ نفسِهْ،
أمرُّ عبرَ الحديقةِ ذاتِهَا،
ضَوءٌ شَحِيحٌ في آخرِ الممرّ،
جُدرَانٌ بيضَاء تُزِّينُهَا لوحَاتٌ صغيرَةْ،
نافِذَةٌ مُوصَدَةٌ بستَائرَ معدنيَّةْ،
شُرفَةٌ تملؤُها الثُّلوجْ،
تزورها الشمسُ من وقتٍ لآخرْ،
لكنَّها تبقى مُوصَدَة أبدَاً...
صمتٌ خَاوٍ تقطعهُ أصواتُ العَرَبَاتِ في الشَّارعْ،
أصواتُ الطَّائراتِ في اللَّيلْ،
آلَاتُ إزاحةِ الثُّلوجْ،
قَطَرَاتُ المَطَرِ البَاردَة..
عشبٌ مجزوزٌ بينَ البناياتْ،
بيوتٌ تتكدَّسُ دونَ طائل،
أُنَاسٌ غُربَاءْ،
مرَّةَ ثانيَة..
الباصُ رقم 35؛
نفسُ الفتاةِ التي تأكلُ الفطَائرَ في الصَّبَاحْ،
الرَّجلُ وابنهُ يتجادلانِ حولَ المِقعدِ المناسِبِ كلَّ يومْ،
سائقةُ البَاصِ التي تمقتُ الرُّكَّابَ جميعاً،
المرأةُ السَّمراءُ ناحيةَ اليمينِ على الدَّوَامْ،
أفكرُ أنْ أسألها كلَّ مرَّةٍ ثم ألوذُ بالصَّمتْ..
المحطَّةُ التَّاليةُ تشيرشل ميدوز 2،
رصيفٌ يُفضِي إلى المنعطفْ،
مُنْعَطَفٌ يُفضِي إلى البيتْ،
الأسئلةُ اليوميَّة؛
-ما هوَ رقم هاتفكَ سيِّديْ؟
..
-ما هوَ تاريخُ ميلادكْ؟
..
ما اسم العائلةْ؟
..
- كيف في وسعي أنْ أخدمَكْ؟
.. ما المغزَىْ مِنْ هَذِهِ المدينَةْ؟
-عفواً؟
لا شيءْ، لا شيءَ مُهِمْ.
جُدرَانٌ بَيْضَاءُ تزيِّنُها لَوْحَاتٌ صَغِيرةْ،
خِزَانَاتٌ تملؤُها الخِطَابَاتْ؛ خِطَابَاتُ البلدِيَّةْ، خِطَابَاتُ البنوكْ، خِطَابَاتُ التَّحصينْ، خِطَابَاتُ المدارسْ،
خِطَابَاتُ الكهرباءْ، خِطَابَاتُ الغازْ، إلخْ...
نافِذَةٌ مُوصَدَة بستَائرَ معدنيَّةْ،
رُكامٌ من الثَّلجِ في الممرَّاتِ وعبرَ الحَدِيقَةْ،
صمتٌ تقطعهُ أصواتُ العَرَبَاتِ في الشَّارِعْ،
صوتُ فتَحَاتِ التَّدفِئَةْ،
أستدلُّ على الفجرِ بالمواعيدْ،
أستدلُّ على العُمرِ بالذِّكرَيَاتْ؛
بالأُغنَيَاتِ القَليلَةْ...
بِيبَانٌ بقيتَ على حالِهَا،
كُلُّ شَيءٍ مثل السَّنَةِ التي مَضَتْ،
مثل السَّنَةِ ما قبلَ التي مَضَتْ،
مثل السَّنَةِ ما قبلِ، ما قبلِ التي مَضَتْ،
..
..