السبت 20 نيسان 2024 | 9:14 صباحاً بتوقيت دمشق
محسن البلاسي

الرصيف

الرصيف
"رجل المعاناة" منحوتة من الحجر الرملي، عثر عليه في بلدة الكهفة 200 كلم جنوب حائل، يعود إلى 6 آلاف عام (إنترنت).
  • الخميس 4 تموز 2019

ماذا لو وجدتم على الرصيف؟
شاعراً صريعاً
ملقًى على أطراف أقدام المارة
سابحاً في ثمالة الازدحام،
أستشاطرونه هذا البقاء؟
كشجرة تستدع شوك النباتات المقلوعة حولها،
سوف تحتضنوه،
أو كرأس مناها الرماح
تسكنها
ستدورون حوله وأياديكم فوق أفواهكم؟
**
لكن أحقاً كان صريعاً؟
أحقاً كان كنحلة ترتجل قوانين جديدة لهندسة الطيران؟
أحقاً كان كساعة رملية تنتظر الاحتراق الكلي للرياح لتثقب نفسها وينسكب الرمل على الوجوه الملقاة على الأرصفة؟
أجاب المارون: ملقى هو هنا منذ أن كان الرصيف مهجوراً بوحشة جرداء.
منذ
سيادة الفراغ والأصداء المجهولة المعلقة في أجراس الهلع.
**
هكذا كان
يحلم قبل الموت
بعيون رمادية تغرق فيها التماثيل الميتة
التي لا تحلم
(احذر! كن حذرا! كن حذرا!
هذا الشاعر الصريع له عيون تجذب النمل الغاضب).
**
يا مدينة الأرجل الكسيحة
يا رفيقتي
ماذا لو وجدت الشاعر الصريع قد أيقظه دم الطيور الشريدة
أو داسته مسيرة (جنازة الأمل) التي مرت من هنا منذ سنوات
ماذا لو رفعتم جفنه الذي ينخفض إلى أسفل
نحو شمس تحترق في جوفه.
مرة أخرى
ماذا لو مات الشاعر حاملاً مشعل اليأس الأبدي؟
ومن فمه تنطلق رغوة الاستسلام
ماذا لو توقفتم للبكاء قبل أن تلقونه بأطراف أقدامكم؟
أقدام الثيران
ماذا لو رأيتموه يضحك ويتحرك ظله في حركة بلا حراك؟
ماذا لو لم يشنق الضوء كل ألوانه وبقيت عينه الحمراء؟
ماذا لو استيقظت خطوات الظل في الأزقة مثقوبة الرئات؟
ماذا لو عاد المهرجون ذوو الأقدام المتشعبة والأنفاس المتحرّقة
للقفز الحر مرة أخرى؟
**
يتشنج الشاعر الصريع أمام كلبه،
عارياً
ومن عيونه المتلألئة العاجزة عن الشم
تتمدد أعصاب الاحتضار.
وعلى الرصيف المقابل امرأة عجوز تصرخ: ابق! فبطرفة عين سيتم تطهير المدينة من المجذومين
لا تذهب الآن أيها الشاعر الصريع
وتترك جثتك فريسة لتمجيد الأقزام الذين يتساقطون من البقع السوداء التي تلطخ وجه هذا القمر العجوز،
أو الذي كان قمراً قبل أن تتعفن القصائد في شيخوخة الرصيف.
استيقظ أيها الرأس ذو الدوار الدائم
ألق بنفسك من عينيك،
ولا تصرخ حين تركض على رؤوس أصابعك فوق زجاج النوافذ المحطّمة.
ماذا لو رأيتم شخصاً يبحث عن شيء ما
يعتقد أنه فقد في مكان ما
والذين يبحثون معه لا يتذكرون أي شيء
عن
أي
شيء
ما...
**
ماذا لو وجدتم شاعراً صريعاً ملقى على الرصيف؟ ولا شيء آخر سوى قطرة دم تنزلق على جبهته التي هشمها الأرق؟
ماذا يهم؟
أن لا شيء مهم؟
لأن لا شيء يهم؟
لا شيء سوى الفناء
لا شيء سوى شرارات العطش حين يحتك بالعطش...