السبت 20 نيسان 2024 | 7:9 مساءً بتوقيت دمشق
يوسف سامي مصري

خريطة ألف حياة- مقدمة موجزة إلى الشعر في ماليزيا

 خريطة ألف حياة- مقدمة موجزة إلى الشعر في ماليزيا
رامي صابور - فنان تشكيلي سوري
  • الجمعة 3 أيار 2019

*بولين فان
إن محاولة رسم أصل وتطوّر الشعر الحديث في ماليزيا يكشف العمليات التاريخية المعقدة والتفاعلات الثقافية التي شكَّلت المجتمع الماليزي المعاصر. يجب على المرء، للتحدُّث عن كتابة الشعر في ماليزيا، أن يُصارع - أو على الأقل يحاول أن يتخيل - الطبيعة التعدّدية والمتعدّدة اللغات بشكل أساسي للشّعب الماليزي وكذلك المشهد الاجتماعي الثقافي المُتغير، حيث "خريطة ألف حياة سوف تُرى".( من قصيدة "Duniaku" لـ T. Alias Taib ، ترجمت من لغة الملايو من قِبل ادن هو).
تسود في ماليزيا أربع لغات رئيسية على الأقل: الماليزية والإنجليزية والصينية والتاميلية، ويتخللها عدد كبير من اللهجات العامّية وفقاً للعشيرة أو المنطقة. كان تواجد سكان شبه جزيرة مالاي متعددي الثقافات ومتعدّدي اللغات واضحاً منذ القرن الخامس عشر على الأقل، وذلك عندما أصبحت سلطنة مالقا Sultanate of Malacca واحدة من أكثر المشاريع ازدهاراً في آسيا، حيث جذبتْ التجار والعلماء والمبعوثين من الممالك المجاورة والإمبراطوريات البعيدة على حد سواء.
أدَّت الموجات المتعاقبة من المهاجرين من جميع أنحاء أرخبيل الملايو، والصين والهند - الذين استقر بعضهم وتزاوجوا وشكَّلوا مجتمعات وثقافات جديدة متميزة مثل مجتمعات البيراناكان peranakan أو المجتمعات المولودة في المضيق، إلى إضافة المزيد من الطبقات إلى التنوُّع الموجود أصلاً في المجتمع الماليزي.
التقاليد الشفوية والشعراء الماليزيين
يرجع أصول الشعر باللغة الملاوية إلى التقاليد الشفوية الشاسعة والمتنوعة التي كانت مُهدَّدة في أرخبيل الملايو بالإضافة إلى النصوص الملاوية الكلاسيكية المعروفة باسم الحكايات التي يعود تاريخها إلى القرن الرابع عشر. تتضمن الأشكال الشعرية التقليدية لماليزيا السّيرة والبانتون gurindam and seloka، وكلها موجودة في الأدب الشفهي والكتابي. وعلى الرّغم من أنها تقليدية، فإن العديد من هذه الأشكال الشعرية مبتكرة جوهرياً، وتحثّ على الارتجال والتركيب العفوي. كان أداء البانتون على سبيل المثال، يؤدّى في بعض الأحيان على أنه balas pantun "مبارزة" بين شاعرين، خاصة أثناء أداء Dondang Sayang (قصص الحب) في مالاقا Malacca.
كانت الأراضي المتغيرة للممالك القديمة في أرخبيل الملايو تعني أن الحدود اللغوية للملايو كانت مليئة بالثغرات والتاريخ، ولم تقع بشكل دقيق داخل حدود الدول القومية الحديثة. وهكذا، فإن العديد من رواد الأدب الماليزي ينحدرون من مقاطعة سومطرة الشمالية في إندونيسيا الحالية، فيما يمكن اعتباره منطقة شاملة للملايو.
يُشار إلى حمزة فانسوري Hamzah Fansuri، وهو كاتب صوفي سومطري ولِد في أواخر القرن السادس عشر المعروف بتكوينه للسِّيَر، على أنه أحد أوائل رواد الشعر الماليزي المكتوب. وتُعتبَر لغة مؤلفاته في السِّير قريبة من لغة الملايو الحديثة التي لا تزال تُستخدم اليوم.
في أوائل القرن العشرين، كان للمجلة والحركة الأدبية الطليعية المسماة Pouedjangga Baroe تأثيراً دائماً على الأدب الماليزي الحديث في جميع أنحاء الأرخبيل، بما في ذلك الملايا البريطانية، وقد تأسَّست في عام 1932 من قبل كتاب شمال سومطرة أمير حمزة و أرميجن باني و سوتان تكدير الجساهبانة و بودجانجا باروي، وكانت في طليعة الأدب الإندونيسي قبل الاستقلال وترتبط ارتباطًا وثيقاً بالقومية المعادية للهولنديين.
Asas 50 وشعر ما بعد الاستقلال

Writers_session_at_APW__sw_500_Photo_by_Vicki_Fennessy.jpg

                             جلسة مع كتاب وشعراء عُقدت في كوالالمبور ، نوفمبر 2015. تصوير فيكي فينيسي
حركة الكتاب 50 (Angkatan Sasterawan 1950)، المعروفة باسم (Asas 50) وهي أول وأقدم رابطة أدبية في مالايا، تأسّست في 6 آب/ أغسطس 1950، ومثلت صوت المجتمع الملايو واستخدمت الأدب كدافع مثالي نحو استقلال مالايا في عام 1957.
وبالمثل، فإن الحركات الشعرية الحديثة في الملايو البريطانية يمكن ملاحظتها بالتوازي مع صعود القومية الماليزية.
بدأ كتاب الملايو في العقود التي سبقت الاستقلال في عام 1957 في حث مواطنيهم على النهوض ضد السلطة الاستعمارية، وبناء وعيهم بأنفسهم. كانت Asas 50 أول حركة أدبية مسجلة في مالايا، وتؤيّد "الفن من أجل المجتمع" مقابل "الفن من أجل الفن". نشرَ كتّاب وشعراء Asas '50 في الصحف والمجلات مثل Hiburan و Mutiara و Kencana و Utusan Zaman و Mastika. كان أبرز شاعر بلغة الملايو من Asas 50 هو عثمان أوانغ Usman Awang.
كانت هذه التوترات الاجتماعية الأساسية تنعكس في كثير من الأحيان في الشعر الماليزي لهذه الفترة، بشكل مباشر أو غير مباشر. احتفل عثمان أوانغ ليس فقط بشخصيته الغنائية، ولكن أيضًا بسبب قلقه المستمر ومشاركته في القضايا الاجتماعية، بما يتماشى مع مبادئ Asas 50 ويتضح ذلك في مقطع من قصيدته الشهيرة " Sahabatku" (صديقي)، وقد كتبها لصديقه المقرب والطبيب والزعيم الاشتراكي الدكتور م. ك. راجاكومار Dr. MK Rajakumar الذي كان قد احتُجز بموجب قانون الأمن الداخلي في الستينات:
صديقي
الأمة الحرة التي نحلم بها
إنه شعور بعيد عن الواقع
غضبي هو ألم
إذا تم فصلنا
تتسع الهوة بشكل أكبر
حصلتُ على لقب "ابن التراب"
وأنت لم تفعل**
شاعر آخر ذو أهمية قصوى في ماليزيا بعد الاستقلال هو لطيف محي الدين. أشارت أول مجموعة شعرية له، نهر ميكونغ (1972)، إلى صوت جديد قوي في الشعر الماليزي الذي لم يتضاءل تأثيره. ابتعد شعره عن الحاجة إلى الاستجابة للسّياق الاجتماعي المباشر، وحرية التعبير والاستعارات ذات الطبقات، والأسلوب الحداثي. كان شعر لطيف محي الدين بعد أن درَسَ الفنون الجميلة في برلين في الستينيات، وفي وقت لاحق في باريس، يحمل آثار الشعراء الأوروبيين الذين كان يتشربهم هناك، بما في ذلك شعراء اللغة الألمانية راينر ماريا رايلكه وجورج تراكل، والشاعران الرّمزيان الفرنسيان تشارلز بودلير وآرثر رامبو:
... من سيذكِّرني
بحركة الظلال المجهولة
بالتلاشي في الظلام دون صوت؟ ***
ومن بين الشاعرات الرَّائدات في اللغة الملاوية لجيل ما بعد الاستقلال، كانت الشاعرة أنيس صابرين، التي بدأت الكتابة في الستينات، والشاعرة سيتي زينون إسماعيل، التي برزت في السبعينيات. لقد مهّدت عدد قليل من النساء الشاعرات في هذه الفترة الطريق للأجيال الشابة من الكاتبات والشاعرات، واليوم هناك عدد كبير من الشاعرات الماليزيات يكتِبون ويقرأون.
ألسِنة أخرى
ومن بين الشعراء المهمين الآخرين في لغة الملايو الذين ظهروا في السبعينيات: ت. ألياس طيب ومحمد حاجي صالح وأحمد صمد سعيد وبهاء زين - وقد تم تكريم كل من الثلاثة الآخرين بلقب الحائز على الجائزة الوطنية.
يتمثل أحد الجوانب المثيرة للاهتمام في عمل محمد حاجي صالح في استنتاجه المتعمد وإعادة صياغة التقاليد الشفهية في المالاي مثل البانتون والأساطير والقصص الشعبية، على سبيل المثال، يقدم الزواج الأسطوري الأميرة الصينية هانغ لي بو، إلى السلطان منصور شاه ملقا، معالجة شعرية معاصرة:
عيناها اللوزيتان، مثل الغزال
لكن اتسعت من المَسكرة السوداء
المظلمة مثل شعرها الطويل
تقع مباشرة من كتفيها
الآن معقودة للزواج. ****
وشهدت ستينيات القرن الماضي ظهور العديد من الشعراء المهمين باللغة الإنجليزية، بما في ذلك Ee Tiang Hong و Wong Phui Nam، وكلاهما من البيراناكان أو المولودون في الصين. كان هذا بمثابة بداية عصر جيل حصل على تعليم استعماري إنجليزي متوسط. ويدل شعرهما مثل لطيف محي الدين، على قطيعة مع السّياق، وعَمِلا على فتح آفاق جديدة للتعبير الشعري المتطور الذي كان غاية خاصة لذاته، وليس سفينة للنّقد الاجتماعي:
سيجد جسدي استمرارية في أرحام الملح الرطبة
من النساء الأمهات وسيغادرن في هذا التل
مجموعة من العظام لا تفقس منها أي حياة مشوَّهة. *****
ومن بين الشعراء البارزين الآخرين باللغة الإنجليزية الشاعرة شيرلي جيوك لين، التي فازت أول قصائدها "عبور شبه الجزيرة" بجائزة الكومنولث للشعر في عام 1980، وسيسيل راجندرا، الذي تعالج قصائده في كثير من الأحيان قضايا البيئة وحقوق الإنسان، والكاتب والشاعر بيرنيس تشالي، والمثقف العام والشاعر والمترجم إدن خو.
هناك أيضاً العديد من الشعراء الماليزيين الذين يكتبون باللغات الصينية والتاميلية. تأثر الجيل القديم لشعراء اللغة الصينية في ماليزيا بشدة بالشعر الكلاسيكي الصيني والغربي. ومن أبرز هؤلاء الشعراء، وونغ يوين واه، و ونغ يوين واه، و مي سوك شين و آي ون. على العموم، لا يزال الشعراء الصينيون في ماليزيا غير معروفين خارج دوائرهم. في الواقع، يتم قراءة الكثير منهم على نطاق واسع في تايوان وهونغ كونغ أكثر مما هو في وطنهم. الجماليات غير المتوقعة لشعراء اللغة الصينية من هذا الجيل واضحة في هذه السطور بقلـم آي ون، التي تكشف قصائدها الخيالية مزيجاً فريدا من المشاعر الكلاسيكية والسريالية:
القط يبكي مرة أخرى
كلما تدفق القمر
هناك رقعة من الشعر الطويل المظلم
تمشط لماء الجدول. ******
تم كتابة شعر التاميل بين كتّاب التاميل الماليزيين من خلال نشر الكتب والمجلات. لقد مرَّ شعر التاميل في ماليزيا بشكل عام من خلال تطوير أنماط من الكلاسيكية الرسمية للشعر التقليدي، إلى شعر "عصر النهضة" في الأربعينيات، والشّعر الحر في الستينات الذي لا يزال يُمارس تأثيراً قوياً على شعراء التاميل الماليزيين المعاصرين.
يكتسب الشعر جمهوراً جديداً بين جيل الشباب في ماليزيا. ازدادت في السنوات الأخيرة، تجمعات الكلمات المنطوقة بين الشباب، ومعظمهم من الناطقين باللغة الإنجليزية، في مدينتي كوالالمبور وبينانغ. هناك اهتمام متزايد بالشعر المكتوب أيضاً، لا سيّما بين الكتاب والقراء بلغة الملايو. ومن بين الشعراء المالويين الشباب المشهورين جمادي شاه عثمان، وحافظ حمزة وشيرة أميرة، وبيانهابيب. لقد كانت هناك محاولات إبداعية بين الشعراء الملاويين الشباب لاستعادة الأشكال التقليدية في الشعر المعاصر، مثل الجهود الجديرة بالثناء التي قام بها جمادي شاه عثمان وحافظ حمزة بِنشر مختارات من البانتون المعاصر.
يعكس شعر ماليزيا المشهد الثقافي المتعدد الثقافات لشعبها. في حين أن الشعر المكتوب باللغة الماليزية والإنجليزية قد يجد قرّاءاً واسعين نسبياً، على الأقل داخل المجتمع الماليزي، فإن الشعر المكتوب باللغات المحلية الصينية والتاميلية لا يزال غير معروف جيداً حتى للجمهور الماليزي العام. ويأمل المرء في أن يؤدي المزيد من البحث إلى جانب الترجمة إلى اللغة الإنجليزية والمالوية إلى إثارة اهتمام جديد لدى الماليزيين لمعرفة المزيد عن شعر ألسِنة أخرى موجودة في بلدهم، وهي بلد كان تاريخياً مكاناً لا يمكن التنبؤ به من خلال اللقاء والاكتشاف الجغرافي.


*بولين فان (Pauline Fan) 

Image result for Pauline Fan PUSAKA

هي محرر ماليزيا في Lyrikline.org. وهي كاتبة ومترجمة وأدبية ومديرة إدارية لمنظمة التراث الثقافي PUSAKA والمؤسِّسة المشاركة لدار النشر كالا، المكرَّسة لترجمة الأدب العالمي إلى لغة الملايو بالإضافة إلى تنظيم القراءات الأدبية، والمحادثات وورش العمل. وهي حاصلة على شهادة البكالوريوس في تاريخ شرق آسية وأدبها وفلسفتها من جامعة نيويورك ودرجة الماجستير في الأدب الألماني الحديث من جامعة أكسفورد. تشمل ترجماتها من الألمانية إلى لغة الملايو قصائد الحب التي كتبها بيرتولت بريخت، ومقال بقلم إيمانويل كانط، وقصص فرانز كافكا وشعر بول سيلان.
المراجع
**من قصيدة "Duniaku" ل T. Alias Taib، مترجمة من الملايو من قبل ادين هو.
*** من قصيدة "Siapakah Yang Akan Mengingatkan Aku" للمؤلف لطيف محيي الدين، مترجمة من الملايو من قبل ادين هو.
**** من قصائد من الحوليات الماليزية لمحمد حاجي صالح، مقتبسة في مقالة نين هاريس، "رؤى حياة محكمة تُترجم إلى تأملات معاصرة: محمد حاجي صالح، العدد 3 مارس / آذار 2011.
***** من القصيدة، "بوكيت سينا 2" لوينغ فيوي نام، مقتبس في مقال نيل خور "Malacca Straits Chinese الشعراء الناطقين باللغة الإنجليزية وتجربتهم في القومية الماليزية" Archipel المجلد 76، رقم 1 (2008) الصفحات 127- 149
****** قصيدة "القط" للشاعر آي ون، مقتبسة في مقال هو هاي ليونغ، "الشعر الصيني الحديث في ماليزيا" Archipel المجلد 19، رقم 1 (1980) الصفحات 199-206.
ملاحظة: جميع القصائد المترجمة هنا تمَّت ترجمتها من قبل مترجم الدراسة عن اللغة الانكليزية.

ترجمة المقال عن الإنكليزية: يوسف سامي المصري