السبت 20 نيسان 2024 | 3:19 مساءً بتوقيت دمشق
نجيب نصير

الشعر في ميزان البيئة؟

الشعر في ميزان البيئة؟
مصطفى فتحي (1942-2009) فنان تشكيلي سوري
  • الجمعة 22 شباط 2019

لم يزل الكثيرون من ناطقي العربية يسمون المطربين والمغنين بالـ "الشعّار"، وهي لفظة ليست مرتجلة، بل تعبير عن تداخل وتشابك عميق عبر الزمن، بين الشاعر وغير الشاعر، و وكذلك بين الفصحى وعلاقتها باللغات التي سبقتها أو رافقتها وتداخلت معها، إن كان في البلاد المفتوحة التي انتقلت إليها، أو بين كثبان العربة (بضم العين) المترامية ولهجاتها وألسنتها، فبالإضافة إلى اللغات التي لم تزل منطوقة في أصقاع العالم الناطق رسمياً بالعربية كالـ "الأرمنية، الكردية، الأمازيغية، السريانية، النوبية... إلخ"، حيث تبدو كلمة "الشعّار" ومفردها الشاعر، كمثال نموذجي لفصل الشعر عن اللغة، انطلاقاً من تحديد جدواه سوسيولوجياً، فالشعر هو للمتعة البشرية عبر الدهشة، إن كان حكمة أو مجرد تطريب، وعليه فإن معايير الشعرانية، لغوياً على الأقل، لا تقف عند حدود النظم قديماً وحديثاً، ولا عند حدود القول المأثور، إن كان عبر الوصف أو كان عبر التقرير، بل تذهب إلى التطريب والإمتاع ليصبح للشعر مردوداً إنسانياً.
وهنا علينا التوقف والنظر ملياً إلى خزان الشعر "العربي" سوسيولوجياً ، باعتباره أحد المنتجات البشرية، فالشعر الصادر باللغات العربية لا يقتصر على الفصيح أو المحكي، ولا على العمودي والحديث فقط، ولا على اللغة العربية وحدها إن كانت عامية أو فصحى، بل يصدر عن ذات بيئية لها من المواصفات ما يجعل من المنتوج الشعري شعراً صرفاً، ولنا في ذلك مثالاً في الشعر كالأندلسي و النبطي، أو حتى رباعيات الخيام، وغيره الكثير من التجارب الشعرية الكبرى والناجحة، ما يعيد الشعر إلى عالم الإنسان وليس إلى عالم التأصيل و اللغة فقط، خصوصاً إذا اعتبرنا أن للشاعر "المغني" روحاً مستقلة وثابة تنظر إلى أشياء الحياة بغير ما ينظر إليها الآخرون، وعلى هذا الأساس يتميزون ويصيرون شعراءً أو شعّاراً.
لا بد من مراجعة خزان الشعر "بالعربية"، والتساؤل حول معنى اللغة وعلاقتها بالشاعر، فتجارب مثل منتجات سعيد عقل، ومظفر النواب، وطلال حيدر، وعرار، وفؤاد حداد وغيرهم، ليست تجارب هامشية أو عابرة، وشعراء السريانية والأرمنية والكردية والنوبية والأمازغية وغيرها، لا يمكن شطبها من هذا الخزان لمجرد أنها كتبت بلغة غير العربية، إنها علامات مضيئة وعميقة للشعرية في العالم.