الجمعة 19 نيسان 2024 | 7:1 صباحاً بتوقيت دمشق
غسان خالد

حرب بعيدة الصلاحية

 حرب بعيدة الصلاحية
حكيم عاقل، فنان يمني.
  • الأربعاء 19 آب 2020

الحرب فئران تنام بيننا
ونحن نرقب ذلك المدى الموحش..
ونشتمّ رائحة البارود.
أيّتها الحرب
لا تنامي على معدتي
فروحي جائعة
ويداكِ طويلة تتقدّم إلى الأمام
وأنا أرتعب من الذين ينالون من أسمائهم
بمعاول الليل..
بالأمس سقط حزن في دمي
ابتلعتُ أصابعي
خنقتْ الريح لساني
أدمى الخوف يدي
أيّتها الحرب
تشتهين خوفي..
أشتهي لمعان اسمك أسفل التاريخ
وأزوغ من يديك... إلى حواف الحياة
لا تنظري إليَّ كتاجر حرب
يكتحل الليل في بيته
يربّي الأمل لأطفاله
يرتب مقتنياته
ويحمل بندقيّته ويطوف الأسواق
يطارد الاسم الرابع لبائع الأمل
يُغلق دكانة تبيع المواسم.

أيّتها الحرب
قفي خلفي
دعينا نلتقط صورة أماميّة
مع الرصيف الجائع
والطفل الذي يحبو بقلق
والأمنيات الذاهبة إلى مشانقها
أيّتها الحرب
لا تنظري لي بعيون سائق سيارة بلا رقم
من خلف زجاج عاكس
بقمصان نظيفة
وبطن متهدّل تطوّقه الذخيرة
لستُ أنا من يثير الشغب
ولا أحسد نعمتك
ولا أوقظ الناس من جوعهم
لكي أشرح لهم الحقيقة
أيّتها الحرب
من ينقل لك أخبار الليل!
ومن يكتب لك تقارير المساء،
هل وصلتك أخبار طفلة حافية الحياة؟!
ومدميّة الخيال..
ممزّقة الثياب،
تجدل شعرها كلّ يوم لتهزمك،
وإن هزمتِ جدائلها..
فزرقة عينيها لا تُبلى مع الزمن..
في الماضي كسرتِ لعبتها البسيطة..
كانت لعبتها معزة صغيرة..
ترضعها
تنام معها
تحمل لها الحشائش قرب مزارع الألغام
تمشّط شعرها
تناديها ابنتي..
لكن أبناؤك يفضّلون لحم الماعز الصغير
وأنتِ تفضّلين قتل الفتيات
تمضغين أحلامهنّ البضة
وتبصقين بها على وجوه الأمّهات
أيّتها الحرب
لا تلعني الفقراء
لا تتحوّلي إلى أرقام متوقّعة في مكاتب الإغاثة
ولا عيون خائفة تنظر من شقّ خيمة
ولا غطاء لدفءٍ نازح في الشتاء
ولا سقف بيت خرّ على حيطانه

أيّتها الحرب
تتحوّلين من أفعى
إلى أسدٍ جائع
وحين تنتهين من إخفاء جثّة في بطنك
تتلونين كالحرباء
تتمشين على العشب
تصعدين شجرة التفاح
تتسلقين النخيل
تتحوّلين إلى تبغ في غليون العمال
ورضّاعة في فم طفل
وشاشة لمس في أنامل الكراهية
وأجندة زوّار في ليل إستوكهولم
وتذاكر سفر للسياسيين
ولقاءات عمل تحت الطاولة
دموع في عين أم
حسرة في وجه زوجة
بؤس في ملامح طفولة
إحاطات في اجتماعات مجلس الأمن
استعراض دوريّ في مجلس حقوق الإنسان
طوابير خبز طويلة
اصطفاف أمام محطات الوقود
مشاكل عائليّة
صيدليّة مقفلة
مستشفيات تقبل رهائن بشريّة
أيّتها الحرب
الخيمة ليست بيتي
ظلّ الشجرة ليس مدرستي
صفائح الماء ليست صنبوري
فتحة الضوء في الخيمة ليست نافذة بيتنا
هؤلاء الذين يتجوّلون بيننا بكاميراتهم
ليسوا ضيوف عندنا
صورنا التي تجوب وكالات العالم
ليست لنا!
أيّتها الحرب
روحي تُسرق..
تتسرّب عبر فتحة تصريف مياه
في نهاية شارع مظلم.
أيّتها الحرب
سوف أنام مغلّفاً بالرمال
أتمرّغ في أرق الليل
أشتري سلام معلّب
صنع في بلاد تطلّ من خلف القلق
وأتأكّد من صلاحيّة انتهائه
لا أشتهي لنفسي موتة بسلام مسموم!
أيّتها الحرب
هيا بنا نلعب لعبة الاختباء
أنتِ تختفين بعيداً هناك
وأنا أفتح عيوني.. و لا أراكِ
ونمنحك جائزة للسلام
لا تطلّين علينا من نشرات المساء
وأخبار "العاجل"
لا تأتي على هيئة علكة
تُمضغ في البثّ المباشر
لا تقتربي من دم البسطاء
خذي إجازة مفتوحة من دم الأطفال والنساء والكهول
لا تُعيدي من بترتِ سيقانهم إلى المعركة
لا تعودي على هيئة بكاء في عزاء النساء
ولا تحريضاً في خطب المواعظ
لا تُقلقي أمّ على ولدها إذا ما تحدّثت الأخبار
عن تقدّم في مناطق التماس

......
الحرب عمياء،
خرساء، بشعة
حين تنتهي من سحق الحياة
وتُحَقَق أحلامها..
تطلّ وأشياء في يدها،
قد تكون كلّ شيء سوى ما نحبه
قد تكون جثّة محترقة
قدم مبتورة
نصف ساق
نصف يد
جديلة فتاة
أجساد نحيلة وجائعة
رائحة أنثى محترقة
حبّ نازف
حلم جريح
فتاة عاطلة عن الحياة
أمّهات تائهات
أمنيات أب لبنيه
رماد البيوت المهدمة
ورد ذابل
دعوات زفاف لم يتم
عشاء عائليّ محترق
"روشتة" مريض
جماجم مجهولة
ووطن بعيد.