لأول مرة بالعربية: مارلين مونرو شاعرة
مونرو
- السبت 7 آب 2021
على الرغم من مرور ما يقرب من 60 عاما على رحيل الممثلة والمغنية أيقونة الجمال والإغراء الأميركية مارلين مونرو في القرن العشرين، حيث رحلت عام 1962، إلا أن حضورها لا يزال قويا من خلال الكثير من الوثائقيات والأفلام التلفزيونية واللوحات الفنية والقصائد الشعرية وكتب السيرة الذاتية، هذه الأخيرة التي حاولت تفسير رحيلها وسط العديد من الاحتمالات والظنون “انتحار، جرعة زائدة من المهدئات، أو اغتيال سياسي”، خاصة في ظل تعدد علاقاتها وتشابكها داخل الوسط السينمائي والسياسي والثقافي.
هذه الفنانة التي شغلت الغرب والشرق ولا يزال فنها وسيرتها مصدر إلهام، يكشف الكاتب والمترجم اليمني رياض حمادي عن مفاجأة ربما للمرة الأولى في اللغة العربية، أن مونرو كانت محبة للشعر قارئة له وتكتبه أيضا، وذلك من خلال كتابه “صلاة من أجل مارلين مونرو”، الصادر أخيرا عن دار نهضة مصر، والذي ضم شذراتها الشعرية والمأثور من أقوالها وقصيدة صلاة لأجل مارلين مونرو لشاعر نيكاراجوا إرنستو كاردينال.
يقدم رياض حمادي لنصوص مونرو وجها جديدا هو وجه القارئة والشاعرة، حيث يقول إن القليلين هم من يعرفون مارلين مونرو أيقونة الجمال والإغراء قارئة نهمة تحب الشعر وتركت لنا شذرات منه بخط يدها. هذه الصورة غير معروفة عنها لأنها كانت “تشعر بالألم عند تصويرها وهي تقرأ أو تمسك بكتاب”، كما كتبت ماريا بوبوفا.
المدهش أن مارلين قرأتْ “عوليس” لهنري جيمس، وهي رواية طويلة وصعبة بالنسبة إلى الكثير من القراء. واحتوت مكتبتها الشخصية على أكثر من أربعمئة كتاب منها كتب لدوستويفسكي وميلتون وهيمنجواي وغيرهم في مجالات عديدة منها الأدب الأميركي والأدب الأوروبي والأدب الروسي والفنون وكُتب السيرة الذاتية والأديان وعلم النفس، وهو ما يشهد بتنوع قراءاتها.
وفي الأوقات التي لم تكن تُصور فيها فيلما كانت تأخذ دروسا مسائية في التاريخ والأدب في جامعة كاليفورنيا، مع ذلك، وعلى الرغم من الصور التي التقطتها بصحبة الكتب، ما زالت صورتها كشقراء سطحية هي السائدة.
ويضيف حمادي “شذرات مارلين مونرو” صدرت لأول مرة في أكتوبر 2010 في كتاب يحمل عنوان “شذرات” يجمع، إضافة إلى قصائدها، أقوالها ورسائلها. وفقا لموقع بويتري فاونديشن “كانت مونرو حريصة على ألا تكشف هذا العمل إلا للقلة من الأصدقاء المقربين. هذه الشذرات الخاصة تعطينا الآن لمحة ساحرة عن نفسيتها وتسلط الضوء على جانب من آلامها. في بعض الأحيان تُظهر موهبة حقيقية في الشعر وإيقاعاته، وتوظف قلقها للقبض على الإنسانية من حولها. آرثر ميلر، زوجها الثالث والأخير”، قال عنها “لتظل على قيد الحياة كان عليها أن تكون أكثر سخرية أو حتى أكثر بعدا عن الواقع مما كانت عليه. بدلا من ذلك كانت شاعرة في ركن الشارع تحاول أن تلقي شعرها على حشود تنجذب لملابسها”.
ويرى المترجم أنه بحسب بوبوفا، تكشف نصوص مونرو عن شخصية مُركّبة وحساسة وعن كائنة استبصرت نفسيتها الخاصة بعمق وتأملت العالم وتفكرت في الناس من حولها. كما تكشف “عن الانفصال المأسوي بين شخصيتها العامة المرئية وشخصيتها الهشة غير المرئية والتي أسيء فهمها من قبل العالم وكانت تتوق إلى الكشف عنها”.
يوضح المترجم “عند صدور شذرات مارلين تساءل البعض: هل كانت مارلين شاعرة؟ هل كتبت شعرا حقيقيا؟ وجاء في مقال يحمل عنوان ‘شعر مارلين مونرو‘ على موقع ‘هايبرتيكست‘: لم تستمتع مارلين بقراءة الشعر فقط بل وكتبت شعرها الخاص ولأنها كانت تخشى الحكم القاسي فلم تعرض ما كتبته إلا لقلة من المقربين، منهم المصور ميلتون جرين والشاعر وكاتب السيرة الذاتية الأميركي كارل ساندبيرج والشاعر والمسرحي والروائي الأميركي نورمان روستن”.
كتب روستن “كانت كثيرا ما تقدم لي قصاصة من الورق، ثم تسألني: هل تعتقد أن هذا شعر؟ ثم تطلب مني أن أحتفظ به وأن أخبرها عن رأيي، وأحيانا كانت ترسل ما تكتب عبر البريد طالبة مني النقد، وكنت دائما أُشجعها. كانت قصائدها تفتقد إلى الحرفة، ليست أكثر من انفجار عاطفي، لكن الشاعر داخلها كان موجودا”.
وينقل حمادي قول زوجها الكاتب المسرحي الشهير آرثر ميلر عنها “امتلكتْ موهبة الشاعر لكنها افتقرت إلى التوجيه والانضباط”. كما يردّ أحد النقاد عليه متسائلا “هل كان من الممكن لها أن تكون شاعرة أفضل لو أنها سعت جاهدة للسيطرة على كلماتها؟ بعض من أفضل الشعراء تحدثوا ببساطة وصراحة وعلى نحو مباشر، على سبيل المثال: باشو، ويليم بليك، روبرت بيرنز، جون كلير، إيميلي ديكنسون، روبرت فروست، سافو، سارا تيسديل، وغيرهم”.
ويتابع حمادي “قالت مونرو ذات مرة ‘أقرأ الشعر لاحتفظ بالزمن'”، وهو ما يعني، بحسب أحد النقاد “أنها كانت تُقدِّر الشعر لقدرته على التكثيف، قصيدة قصيرة يمكنها أن تقول الكثير وتحمل مخزونا من العاطفة”. كتبت مونرو عن كونها “بسيطة” و”مباشرة” وهذا واضح في قصائدها، “لم تكن أكثر الشعراء صقلا لكنها كانت بسيطة ومباشِرة وتدخل في صميم الموضوع كشعراء اليونان القدماء دون أن تضيع وقتنا”.
أغلب قصائدها، كما كتب أحد النقاد “قصيرة إلى حدّ ما، تنتمي إلى الشعر الحر ويغلب على بعضها الطابع الغنائي، وكانت تستعمل القافية من وقت إلى آخر. عدد من قصائدها ذاتية أو له طبيعة اعترافية، في حين أن البعض الآخر يعبّر عن ملاحظة دقيقة وصادقة للحياة بشكل عام”.
ويؤكد حمادي أن لمارلين مونرو أقوالا وعبارات تتسم بالعمق والفكر والفلسفة، كما أن قصائدها أو شذراتها الشعرية، التي يضمها الكتاب، تُسهم في توضيح جانب مهم من شخصيتها. تلك الشخصية التي أظهر جانبها الإنساني شاعر البرتغال الشهير إرنستو كاردينال في قصيدته “صلاة لأجل مارلين مونرو”، وهي القصيدة التي “قمت بترجمتها عن الإنجليزية مستعينا بنسختين إنجليزيتين بينهما فروق طفيفة”.
وإضافة إلى قصائد مارلين مونرو وأقوالها، يضم الكتاب مجموعة أصوات مختلفة تصدر عن شعراء يخاطبون المطلق والمقدس والضمير الإنساني، شعراء يرفعون آهات الأرض للسماء.
وقد حرص حمادي على أن يضم إلى هذه المجموعة قصائد لشاعرات يجمعهن بمارلين مونرو مصير واحد هو الموت المبكّر، بقرار شخصي إذا أخذنا بالرواية الرسمية لموت مارلين مونرو، من تلك الشاعرات سيلفيا بلاث وآن سيكستون وانجريد جونكر وسارا تيسديل. هذه المجموعة بمثابة صلاة لهن جميعا.
المصدر: جريدة العرب