هل يُهزم الشّعر في غياب النقد؟
المهدي قطبي - فنان مغربي
- السبت 3 نيسان 2021
منذ زمن طويل، غادرتنا فترة خمسينيّات القرن الماضي، وغادرت معها، مفاهيم التجديد في الشعر المكتوب بالعربيّة. لاحقة بما سبقها وما تلاها، من مفاهيم تحديثيّة، في أبواب إنتاج واستهلاك الشعر، وذهبت القصائد إلى لجّة الارتباك، من حيث تعريفها كشعر، أم سرد، أم كتابة فقط. وهذا ما يقود إلى لحظة ولادة القصيدة الحديثة، والتي تقودنا من حيث مسماها إلى القصيد العروضيّ، ليبدو الشعر الحديث كتنويع عليه، وليس انتقالاً تكنولوجيّاً يقود إلى معارف معاصرة، تبنى عليها مقتضياتها في تحديث البنية المعرفيّة للشاعر والمتلقي.
تماماً كما حصل مع روّاد عصر النهضة المجهضة، التي ابتلعها الزمن، وهي تبحث عن مبررٍ اجتماعيّ لضرورتها، فالتوازي غير الالتقائيّ؛ الذي حكم العلاقة بين الإنتاج والاستهلاك آنذاك؛ هو نفسه الذي يحكم العلاقة الآن بين الشعر والمتلقي. وهي خصلة تعفي النقد من مهامه، إيذاناً بتعقيمه وتجميده ومن ثمّ إقالته. ليتحوّل إلى مسكون اجتماعيّ عنه. حيث يختفي جدل المعايير، ليحلّ محلها المقايسات ما قبل النهضويّة. ما يعيد الشعر إلى بيت طاعة القصيدة العروضيّة. وما فيها حاليّاً من مباهاةٍ تكريسيّة، تضع الشعر الحديث في مقارنة تيكنولوجياتية عادلة بمقاييس العصر الأمويّ أو العباسيّ، الذي كان يمتلك نقداً جديّاً، كمعيار للجودة.
في عصر النهضة المجهضة، وكذلك في عصر خمسينيّات القرن الماضي، تألّق الشعر ضمن منظومة المنتجات الإبداعيّة، محافظاً على جودة عالية، محمية بالنقد، الذي لم يقف ضد الارتقاء التكنولوجيّ للقصيدة، بل زكّاها وقدّمها لجمهورٍ تلقّفها بناءً على الثقة بالنقد. ومع تهافت هذا النقد اعتمد جلّ الشعراء، ذاك الارتقاء التكنولوجياتي الجاهز، كبديل عن التكنولوجيا التي تتعامل مع العلم بالأشياء بصفةٍ جدليّة. فنشأت الأبيات الشعريّة، مزهوّةً بموضتها الأحدث، دون أن تبيح نفسها للنقد، فالشاعر هنا وحدة مكتملة المعرفة، ومستقلّة حتى عن القراء، دون الاتكاء على حوار أو منافسة يزكيها النقد.
لقد انتصر سعيد الغبرا، على أبو خليل القباني، ولما يزل منتصراً حتى اليوم، مع كل التغيير الواضح في أزيائه وأقلامه.
الشعر كما النهضة، يظلّ مهزوماً، طالما نقده بقي قليلاً..... ومتهافتاً.